السبت، 3 مارس 2012

نقــد


" أشياء لا تجلب البهجة "
الكاتبة أمينة زيدان
الهروب من صحراء اللحظة الراهنة
أمينة زيدان

الشيء الوحيد الذي كان يؤرق قراءتي للمجموعة القصصية" أشياء لا تجلب البهجة" الهيئة العامة لقصور الثقافة  2012 للقاص عبدالله السلايمة هو تلك النزعة المتطرفة لدى الراوي،والتي تصل أحياناً إلى حد التعالي .
يقدم لنا السلايمة عبر مجموعته القصصية،نماذج أصيلة من المجتمع القبلي،ولقد توقفت كثيرا عند الشخصيات التي تتنامى عبر النصوص، ما دفعني للتعامل مع المجموعة القصصية،على أنها متوالية سردية، رواية بطلها الأوحد الراوي،الذي يحكى فصولها من موقعه كمشارك ومحرك للإحداث.شخصية الأب أيضاً لم تتغير، وظلت تتكشف لنا على مدار القراءة ...
في قصة " دعوى لا تحتمل التأجيل " تتصدر مقولة هاملت ( أكون أو لا أكون ) فضاء الصفحة، ما يجعلنا نبنى تصوراً للشخصية الرئيسية التي تتولى الحكى، وهو كما أشرت من قبل راو ثابت يعلى من تقنيات كتابة السيرة الذاتية من خلال المعلومة، ومن خلال إقحام شخصيات واقعية، ما أظنه لم يضف لحساب الكاتب في هذه التجربة الواعدة ،" منذ أن تركت ربوع البادية،وآثرت العيش فى حضن المدينة،يعتبرها أبى ألد خصومه ،ولا يمل من تكرار ندمه على أنه لم يحسن تأديبي، ولو كان قد فعل،لما تجرأت كما يقول على استبدال ثوب بداوتي بثوب مدينة يراه مليء بالثقوب!"ص15 ،
واعتقد أن في هذا فصل بين عالمين،عالم القبيلة والذي يمثل المرجعية للأب،وعالم المدينة المعشوقة للكاتب ...الخ الفقرة ،" كلما تذكر جرحه لكبرياء رضعته ـ مثله ـ من ثدي الصحراء،أمام عروسي "الحضرية"،فى ذلك اليوم  الذى غادرت فيه مضارب القبيلة، يكاد يفقد عقله ندماً على فعلته المتهورة ..." ص16،لا حظ اللهجة المتعالية التى تطغى على أحكام الأب الذي لم يسلم هو قبلا من اسر المدينة.لكنه مازال يحمل عبء الحفاظ على عرق البدو من ثوب المدينة المرقع، فيعلن الحرب ضد زحف هذه المدينة.
فى قصة "إنهم لا يفضلون الغرباء"وقصة "رغبة عدوانية " نجح الكاتب في التعبير عن وضع المرأة، ممثلة في شخصية ضحى /الأخت، وشخصية زهرة التي أظنها امتداداً لها،أما الأم فتتبع عقيدة الرجل ، بل وتدافع عنها،وتنحاز إليها،وبقيت شخصية الزوجة على حالها شريرة قبيحة متقلبة .
" أزاحت عن وجهها بلا خجل قناع جمالها الزائف كاشفة عن قبح حقيقي شكّل ملامحها،وهى تضع زوجها أمام اختيار قاتل،قائلة في جحود:إما أنا أو أبوك ..قصة " للماضي أبعاد أخرى" ص 29
تهيمن على نصوص السلايمة تيمة أنسنة الأشياء،كالشمس وغيرها، وهناك أيضاً النبوءة المترتبة على خبرات تاريخية سابقة،كما أن هناك حنين إلى الماضي،وهرب دائم من صحراء اللحظة الراهنة، أو زمن إنتاج النصوص إلى زمن آخر،" قبل أن يفض قبح العولمة بكارة الصحراء،كان للحب فيها قداسة،إذا ما تجرأ شخص عابث مثلى،يميل منذ صغره نحو العبث بتلك القداسة،عليه أن ينتظر عقاباً رادعاً،ربما لا يقل بشاعة عما كان ينتظر "نور"،بعد أن نجح في إخضاع"نعمة"لأول تجاربه العبثية .. قصة " عبـث " ص25.
يحتوى الكتاب على ثمان عشرة قصة،قسمه السلايمة إلى قسمين: الأول اختار له عنوان " بدويات "، حيث طاف بنا حول ثقافة البدو، التي ينتمي إليها الراوي،واختار للقسم الثاني عنوان " أشياء لا تجلب البهجة"،لم يتغير فيه الراوي، وإنما انتقل بالإحداث إلى فضاءات أخرى، يعلن فيها عن هويته ككاتب،انتقل بنا الكاتب إلى عالمه الموازى الذي خيب كل تصوراته المثالية عن الواقع الثقافي،ليصبح هذا العالم مجرد أشياء لا تجلب البهجة، في إشارات تنتقد الممارسات الفاسدة التى لم يسلم منها المناخ الثقافي بشكل عام .
إن فعل الفرار إلى العالم المجازى.هو فعل دائم، وتيمة أساسية في المجموعة القصية، التى يزداد اعتقادي بكونها متوالية سردية،" أثناء فرارك من إحساسك بالغربة،قد يدفع حسن حظك إلى طريقك من يخفف عنك بعض معاناتك،وقد تتعثر فى سوء طالعك، وتصادف من يضاعف بداخلك ذلك الإحساس القاتل ..." قصة " فراسة" ص69.
فى قصة " دعني احبك " تتلخص أزمة البدوي المثقف ـ "انها الفوضى العارمةص75،"إنهم لا يروننا غير كائنات صحراوية متوحشة يجب عليهم ترويضهاص77،"اعذرني فانا أرى ما لا ترونه ص77،" ولقد شرعوا بالفعل في تنفيذ مخططهم للقضاء على وحشيتنا ... ص77
إن الرؤية التي تساوى المعرفة تبدو من الأشياء التي لا تجلب البهجة، وأخيرا أشير إلى قصة " أحزان جائعة" بتقدير شديد، لظني بان الكاتب تخلص فيها من مشكلات الكتابة، ونجح في التقاط صورة إنسانية عالية القيمة من خلال علاقات جميلة بين الطفل وزوجة أبيه.
   

ليست هناك تعليقات: