![]() |
قراءة في المجموعة القصصية" أشياء لا تجلب البهجة"
للقاص عبدالله السلايمة
يوسف الشاروني
..............................................................
هذه
المجموعة القصصية " أشياء لا تجلب البهجة" للكاتب عبدالله السلايمة تتميز
بنكهة بدوية تشتبك مع غزو المدينة للحياة الصحراوية. وتنبهنا إلى أن التطور
الحضاري الذي غزا الصحراء، أثار صراعاً في لحظات التحول بين الأجيال، يتواري فيه
حسن الآفل أمام حسن الحضارة المتسلل، هذا الصراع هو محور معظم قصص القسم الأول من
المجموعة وعنوانه "بدويات". فتتناول قصة" الآخرون"الغزو
الحضاري في عقر البيئة الصحراوية، حين يكتشف زعيم القبيلة الذي وافق أولاً على
زواج ابنه من حضرية، ثم ندم - في لحظة تحول غير مكتملة، لأنها ما تزال في
إرهاصاتها.
وما
تزال القضية نفسها محور قصة"دعوى لا تحتمل التأجيل"، والخلاف نفسه بين
الجيلين، خلاف ينبئ عن مسيرة التطور الحضاري واتجاهه، من خلال ثورة جيل الأبناء
على الأوضاع الاجتماعية الغاربة لجيل الآباء.
![]() |
عبدالله السلايمة |
ويختلف
مسار قصة "رغبة عدوانية" عن سابقاتها حيث أُرغمت "زهرة " على
الزواج من "فالح" أول طارق لبابها، عقاباً على لقاءاتها المسروقة مع
حبيب لا ينتمي إلى قبيلتها.
أما
قصة "للماضي أبعاد أخرى" فهي قصة عالمية بلغات مختلف الشعوب، فقد سبق أن
قرأنا قصة صينية عن ابن يحمل أباه ليلقيه في أحد الملاجئ, فإذا بالأب يضحك, وحين
سأله ابنه عن سبب ضحكه، كانت إجابته أنه فعل الأمر نفسه مع أبيه (جد الابن) عندما
كان شاباً, وإن ابنك سيفعل الشيء نفسه معك عندما تشيب. وقصة عبد الله السلايمة لا
تختلف كثيرا عن قصتنا الصينية إلا بميزتين: أنها منتزعة من البيئة البدوية, ثم
مفرداتها البلاغية المعبّرة عن جو المأساة في مثل هذه العلاقات المنطفئة الأبوية
البنيوية.
ويتلاقى
فى قصة "خطاب ناسف" كما يتلاقي في معظم قصص المجموعة التحفظ الصحراوي مع
انفتاح الحياة المدنية. هجائية إبداعية من ساخر ثائر على تقاليد قومه البدوية،
متنبئاً ومعلنا أفولها, وهو أحد دوافع إبداعه، وأحد مظاهره، وأحد مشاركاته في
تحقيقها.
وتعتبر
قصة "الوديعة" موضوع عالمي
محوَّر من البيئة الزراعية إلى البيئة الصحراوية.
أما
قصة "أحزان جائعة" فأحداثها الممتدة في الزمان صرّها مبدعنا داخل نفسية
امرأة من يوم أجبرها أبوها على الزواج بابن عمها الأرمل الذي تركت له زوجته
المتوفاة طفلاً, كما باغت العسكر أباه ذات ليلة واعتقلوه, وقد حاصرتها "أحزان
جائعة قادمة من وحشة صحراء منحتها مخيلة موحشة مستوحشة" (ص42)، وتختُتم قصتنا
حين نصحو مع بطلتها لنكتشف أنه كابوس عانيناه معها، مستمد من كابوس يقظتها، لا
يعرف القارئ أين ينتهي أحدهما، وأين يبدأ الآخر.
وواضح
أن قصة "عيون ثعلبية " قصة رمزية بدءاً من اسم شخصية "إسراء"
التي من الواضح أنها مجتزأة من "إسرائيل" ومحاولتها استماله مشايخ
المنطقة (سيناء) بالمال, لكن المشايخ الجدد لم يكونوا أقل مقاومة، فقد رفضوا تدويل
منطقتهم، "وأن إسراء ما هي إلا مخادعه ومعتدية" (ص46). وهكذا يستوحي عبد
الله السلايمة قصصه من مختلف قضايا منطقته المتميزة بطبيعتها الجغرافية والتاريخية
والبيئية، وحراكها الاجتماعي والسياسي، مما يُعد إضافة حقيقية إلى إبداعنا الأدبي
المصري.
الجزء
الثاني من المجموعة يبدأ بقصة"استباحة" يقدمها لنا ضمير المتكلم الذي لا
نعرف اسمه، ولكن نعرف اسم ضيفه الثقيل "قاسم"، الذي يستفسر منه عن حلم
حياته, وهنا نجد أنفسنا أمام تنويعة مختلفة من القص موضوعه التأمل الفكري .
مرة أخرى وقفة
فكرية صّرها الكاتب السلايمة في كبسولة درامية, تلك هي قصة "ضربة استباقية
" التي تقدم بدورها موضوعها، حول تطورات ثقافية في تلك البيئة الصحراوية،
التي تتحرك في إطارها أحداث المجموعة.
قصة "دعني أحبك" نتلقاها من راويها عن بطلها
"عارف" الذي ندرك منه أنه يتأرجح بين الجنون والعقل، وهي منطقة إنسانية
اختارها مبدعنا، ليقدم لنا ما لا يمكن تقديمه من شخصية عاقلة تماماً أو مجنونة
تماماً، فهو أقرب إلى أبله دستويوفسكي في روايته المشهورة يجرؤ على أن يفضى بحقائق
لا يجرؤ أن يفصح عنها العقلاء.
ونهاية، تحية للمبدع عبد الله السلايمة على مجموعته
القصصية " أشياء لا تجلب البهجة" التى تعد بحق إضافية إلى إبداعنا الأدبي
المصري المعاصر، والتي تبرز أحد أضلاعه التي تستحق الالتفات، فهذه المجموعة ليست إلا
"عينة" من قمة جبل الإبداع العائم في تلك المنطقة قصة ورواية وشعراًً وربما
مسرحاً .